السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأنا أصفي وأوزع أغراضي وأثاثي والزائد عن حاجتي استعداداً للسفر وللانتقال من سكن إلى آخر، تذكرت الموت، وما أشد الشبه بينه وبين السفر، ولكن في السفر لدينا الوقت للتجهز والاستعداد، أما الموت فيأتي بغتة، سواء استعددنا له أم لم نستعد.
فكرت أني لو مت، سيقوم أهلي بتصفية أغراضي وتوزيعها كما أفعل أنا الآن، ولكن، ماذا عما في القلوب!! هل سيكون لدي الوقت الكافي للتحلل وطلب العفو والصفح من أقرب الناس لي وهم أهلي وصلة رحمي؟؟
بعد خمسين سنة، أو ستين، أو حتى مئة سنة، لن يبقى أحد منا على وجه الأرض، فإما أن نكون في عداد الموتى أو ان نكون وقتها في أرذل العمر، ومهما تقدم العمر بنا، فلن نُخلّد في الدنيا..فهل تستحق هذه الخلافات مهما كثرت وعظمت أن ترافقنا في قبورنا !!!
أنتم أهلي وصلة رحمي، يجمعنا دم واحد، سواء اتفقنا أم اختلفنا، تراضينا أم تزاعلنا، وسواء كانت الحياة بيننا هادئة صافية أو كانت مشحونة بالمشاكل والصدامات.
أنا لا أنكر وجود الخلافات، ولا أنكر اختلافي معكم في بعض الأراء، فلم نخلق كلنا من طينة واحدة..والشخصيات تختلف، بل لا أنكر وجود الخلاف بيني وبين أمي التي أنجبتني..ولكن هل تستحق الخلافات أن نحملها في قلوبنا ونظل نذكرها للأبد، ونترك لها المجال لتتحكم بتصرفاتنا ومشاعرنا تجاه الغير!!
الإسلام بحد ذاته سمح للنفس البشرية أن تعبر عن خلافها مع الآخرين، فأجاز الهجران لمدة يوم ويومين، بل وثلاثة أيام ولكن شريطة أن لايزيد الهجر عن ثلاث.
لا أطلب من نفسي ولا أطلب من أحد التوافق في الأفكار والآراء ونبذ الخلاف تماماً، فهذا صعب أن يكون كلٌ منا نسخة من الآخر، والأصعب هو التحكم في تصرفات الآخرين وردود أفعالهم. فكل ما نملك هو التحكم والسيطرة على أقوالنا وأفعالنا، فلنكن نحن أصحاب المبادرات الطيبة، والردود اللطيفة، واللسان العذب.
لذلك، يا عائلتي الحبيبة كتبت لكم هذه الرسالة، أطلب منكم العفو والغفران و أن تحللوني عن كل مابدر مني من هفوات وزلات وأخطاء في حقكم وحق من تحبون.
ربما صدرت مني تصرفات بغيظة إلى قلوبكم ولكني لا أحمل لك سوى الحب والاحترام والتقدير لكم وإن كان قد صدر مني عكس ذلك فالشيطان أعاذنا الله منه يجري من ابن آدم مجرى الدم وقد دأب على التحريش بين الناس لأتفه الأسباب.
وأخيراً، أسأل الله تعالى أن يصلح نياتنا ويؤلف مابين قلوبنا ويوفقنا للعمل الصالح ويختم لنا حياتنا بخاتمة حسنة.
أترككم في حفظ الله ورعايته وأراكم على خير بإذن الله تعالى.
التوقيع:
ابنتكم خفيفة الطينة
(ربة منزل من الكويت)
ملاحظة:
كتبت هذه الرسالة في سبتمبر 2011 ولكني سافرت وانشغلت ولم أرسلها .. وللأسف ما تذكرتها إلا الآن .. كنت أريد من الكل أن يقرأها قبل أن أسافر لخوفي من أن أفقد احدا وانا في بعيدة عن بلدي ووأهلي .. والحمد لله على كل حال .. فقد فقدت عائلتنا في نوفمبر 2011 خالتي الكبرى (أم خالد) رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وجمعنا الله واياها وجدي وحبايبنا في الفردوس الأعلى .. ولكن ما طمأن قلبي أن الله سبحانه وتعالى اكرمني بمحادثتها قبل وفاتها بيومين ..