ترردت على مسامعي كثيراً هذا الحديث .. خصوصا في هذه الأيام .. يحتج به البعض على وجوب الثورات وأنها تعتبر من الجهاد لأنها كلمة حق عند سلطان جائر
بحثت في شرح الحديث وأحببت مشاركتكم بما وجدت.
عن أبي عيسى الترمذي قال: حدثنا القاسم بن دينار الكوفي حدثنا عبد الرحمن بن مصعب أبو يزيد حدثنا إسرائيل عن محمد بن جحادة عن عطية عن أبي سعيد الخدريأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر."
تخريج الحديث:
قال الألباني في “السلسلة الصحيحة” 1 / 806
ورد من حديث “ أبي سعيد الخدري , و أبي أمامة , و طارق بن شهاب , و جابر ابن عبد الله , و الزهري “ مرسلا.
شرح الحديث:
قال المباركفوري في التحفة:
قوله : ( إن من أعظم الجهاد ) وفي رواية أفضل الجهاد ( كلمة عدل ) أي كلمة حق كما في رواية والمراد بالكلمة ما أفاد أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر من لفظ أو ما في معناه ككتابة ونحوها ( عند سلطان جائر ) أي صاحب جور وظلم ، قال الخطابي : وإنما صار ذلك أفضل الجهاد; لأن من جاهد العدو كان مترددا بين الرجاء والخوف لا يدري هل يغلب أو يغلب.
وصاحب السلطان مقهور في يده فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف، وأهدف نفسه للهلاك، فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف، وقال المظهر : وإنما كان أفضل لأن ظلم السلطان يسري في جميع من تحت سياسته وهو جم غفير، فإذا نهاه عن الظلم فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر انتهى.
قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين:
قال المؤلف - رحمه الله- فيما نقله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطان جائر".
فللسطان بطانتان: بطانة السؤ، وبطانة الخير.
بطانة السؤ: تنظر ماذا يريد السلطان ، ثم تزينه له وتقول : هذا هو الحق ، هذا هو الطيب، وأحسنت وأفدت، ولو كان ء والعياذ بالله ء من أجور ما يكون، تفعل ذلك مداهنة للسلاطين وطلباً للدنيا.
أما بطانة الحق: فإنها تنظر ما يرضي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وتدل الحاكم عليه ، هذه هي الباطنة الحسنة.
وكلمة الباطل عند سلطان جائر، هذه ء والعياذ باللهء ضد الجهاد.
وكلمة الباطل عند سلطان جائر، تكون بأن ينظر المتكلم ماذا يريد السلطان فيتكلم به عنده ويزينه له.
وقول كلمة الحق عند سلطان جائر من أعظم الجهاد. وقال :" عند سلطان جائر" لأن السلطان العادل، كلمة الحق عنده لا تضر قائلها؛ لأنه يقبل ، أما الجائر فقد ينتقم من صاحبها ويؤذيه.
فالآن عندنا أربع أحوال:
1- كلمة حق عند سلطان عادل، وهذه سهلة.
2- كلمة باطل عند سلطان عادل، وهذه خطيرة؛ لأنك قد تفتن السلطان العادل بكلمتك، بما تزينه له من الزخارف.
3- كلمة حق عند سلطان جائر، وهذه أفضل الجهاد.
4- كلمة باطل عند سلطان جائر، وهذه أقبح ما يكون.
فهذه أقسام أربعة، لكن أفضلها كلمة الحق عند السلطان الجائر .
نسأل الله أن يجعلنا ممن يقول الحق ظاهراً وباطناً على نفسه وعلى غيره.
قال الشنقيطي في أضواء البيان:
المسألة الرابعة : اعلم أن من أعظم أنواع الأمر بالمعروف كلمة حق عند سلطان جائر، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"، أخرجه أبو داود، والترمذي، وقال : حديث حسن.
وعن طارق بن شهاب - رضي الله عنه : " أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وضع رجله في الغرز : أي الجهاد أفضل ؟ قال : كلمة حق عند سلطان جائر "، رواه النسائي بإسناد صحيح.
كما قاله النووي - رحمه الله : واعلم أن الحديث الصحيح قد بين أن أحوال الرعية مع ارتكاب السلطان ما لا ينبغي ثلاث :
الأولى : أن يقدر على نصحه وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، من غير أن يحصل منه ضرر أكبر من الأول، فآمره في هذه الحالة مجاهد سالم من الإثم ولو لم ينفع نصحه، ويجب أن يكون نصحه له بالموعظة الحسنة مع اللطف; لأن ذلك هو مظنة الفائدة.
الثانية : ألا يقدر على نصحه لبطشه بمن يأمره، وتأدية نصحه لمنكر أعظم، وفي هذه الحالة يكون الإنكار عليه بالقلوب، وكراهة منكره، والسخط عليه، وهذه الحالة هي أضعف الإيمان.
الثالثة : أن يكون راضيا بالمنكر الذي يعمله السلطان ، متابعا له عليه، فهذا شريكه في الإثم، والحديث المذكور هو ما قدمنا في سورة البقرة عن أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية - رضي الله عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع "، قالوا :يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال : " لا ما أقاموا فيكم الصلاة " ، أخرجه مسلم في " صحيحه ".
فقوله - صلى الله عليه وسلم : " فمن كره " يعني بقلبه، ولم يستطع إنكارا بيد ولا لسان " فقد برئ " من الإثم، وأدى وظيفته، " ومن أنكر " بحسب طاقته " فقد سلم " من هذه المعصية، " ومن رضي " بها " وتابع " عليها، فهو عاص كفاعلها.